اعتاد الرجال على احتلال الفضاء العام. ويساعده في ذلك صوته الذي يعلو، بيولوجياً، على صوت المرأة كما اعتاد على اعتبار رأيه صواباً مطلقاً وإعطاء الأولوية لتجاربه، مع تجاهل التجارب الخاصّة بالمرأة، والتي غالباً ما يصعب عليه فهمها، ويشعر غريزياً بميله إلى التحكّم ورغم ذلك يعتقد الكثير من الرجال النسويين أن تأييدهم لمطالب النساء أو بعضها ستنقذ النساء من سطوة الذكورية. في حين لا يواجهون أبناء جنسهم عندما يتهمون النساء، في مجالسهم الخاصة وفي الفضاء العام بالمبالغة والعاطفية و”الهسترة”، ونقص العقل والدين.
شارك الرجال منذ القرن التاسع عشر في ردود ثقافية وسياسية هامة على الحركة النسوية داخل كل «موجة» من تاريخ الحركة. كان من بين من تلك الردود، السعي لإيجاد فرص متساوية للمرأة في مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية، ويحدث ذلك عمومًا من خلال «السيطرة الاستراتيجية» لامتياز الذكورة. يجادل الرجال النسويون جنبًا إلى جنب مع بعض الكتّاب المشهورين مثل بيل هوكس، مع ذلك، فإن تحرير الرجال من القيود الاجتماعية الثقافية للتمييز على أساس الجنس والأدوار الاجتماعية المحددة لكل نوع، هو جزء ضروري من النشاط والثقافة النسوية.
▪︎ولكن ما معنى ان يكون الرجل نسوياً؟
باعتقادي أن يكون المرء نسوياً هو أن يتخلى عن الامتيازات الذكورية ويقر بلا مشروعيتها ولا موضوعيتها وإن استمراريتها ظلم تاريخي وراهن تتعرض له النساء من الذكور أنفسهم تدفع المرأة الى الاضعاف والتهميش وهذا يتطلب الانحياز للفرد الإنسانيّ، متجسداً بأنثى و ذكر، متساويان في الكينونة والوجود والقيمة وليس قانونياً فقط.
▪︎الرجل النسوي والمجتمع:
ليس سراً أن العديد من الرجال يكرهون النسوية والرجال النسويين بحكم التمسك بالامتيازات الذكورية والموقع السلطوي، ويعتقدون أنه كلما زاد اضطهاد الذكر للأنثى زادت مكانته في النظام الأبوي، لأن العلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة، والأب والأبناء، علاقات تراتبية هرمية لا تختلف عن نمط العلاقات السائدة بين السائس والمسوس، ربّ العمل والعامل، المعلم والمتعلم، الشيخ والمريد.
وكذلك لاتثق شريحة من النساء بالرجل النسوي مهما أبدى من تعاطف أو دعم للقضية النسوية بحكم الثقل التاريخي للاضطهاد، وشيوع النماذج السائدة المكرسة للقمع والتهميش، والرجل بنظرهن يظل سلطوياً في جوهره وما يميز الرجال عن بعضهم هو درجة التسلط وليس مبدأ التسلط.
وهناك أيضاً جزء من النساء يرفضنَّ كلياً انحياز الرجال إلى القضية النسوية ومطالبتهم بحقوق المرأة لأنهم يرفضون النسوية أساساً وينحازون لاستمرار اضطهاد المرأة مستبطنين الوعي الذكوري السائد عبر إقناع المرأة أنها أقل قيمة، وأنها عاطفية ومتسرعة وهوائية ومن حق الرجل أن يتملّكها ويتسلط عليها، ويعتبرها أداة جنسية للمتعة وإنتاج الأطفال وليس لرغباتها أهمية، والعنف ضدها مستساغ.
و يرى البعض الآخر أن الرجل يمكنه أن يكون داعماً لحقوق المرأة في أفضل الأحوال ولكنه لايمكن أن يكون نسويًّا؛ لعدم قدرته على فهم ما تمر به المرأة وتعانيه.
▪︎ هل من السهل أن يكون الرجل نسويّاً؟
السلطة الذكورية كالسلطة السياسية حساسة جداً لعدم الأمان وتتوجس دوماً قلقاً وخيفة من فكرة الانشقاق الذي ينذر بتصدع الهيمنة وهواجس الثورة، ولذلك ينظر الرجال الى نظرائهم المناصرين لقضايا المرأة بأنهم منشقون خانوا “طبقتهم” ومصالحها.
ينطلق الكثير من الرجال في تصرفاتهم عن “فوبيا النسوية” لاعتقادهم أن هدف النسوية هو إقصاء الرجال والانتقام من القمع الذكوري المديد بقمع يفوقه عمقاً وأثراً لأنه مستند إلى الكيد وليس إلى العضلات.
منطق الذكورة هو منطق الإلغاء ( إما …أو) (الذكر إما أن يكون مستعبِداً أو مستعبَداً ) وبالتالي يعتقد كثير من الذكور أن لم يكن هدف النسوية جعل التفوق الإنثوي هو القاعدة (أي الاستعباد) فإن منافسة المرأة الرجال على الفرص المحدودة أصلاً في مجالات التعليم والعمل والمشاركة في الشأن العام (أي استبعاد) الذي سيفضي تلقائياً إلى (الاستعباد) وبالتالي يرون في الحركة النسوية ومؤيديها من الرجال خطراً وجودياً داهماً يجب مقاومته بكل قوة.
ولكن “الطبيعة الذكورية للمجتمع وثقافته وأخلاقه هي التي أوصلتنا الى المأزق التاريخي الذي نحن فيه وتمنعنا من الاستقلال والتقدم والتطور فإذا كانت الحداثة المعولمة قد أضعفت النظم الأبوية وأفقدتها تجانسها عبرتشظي سلطة الأب فى بعض المواقع الاجتماعية.
ولكن النظام الأبوي يؤثر في الحداثة أيضاً ويضعفها عندما يزيد من فجوة عدم المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بين الرجال والنساء وازدياد العنف بكل أشكاله ضد المرأة بشكل يهدد تطبيق كل حقوق الانسان الأخرى
أن الذكورة تعبير عن إنسانية ناقصة وما لم توضع الأنوثة في منزلة الذكورة المستندة إلى وحدة الجنس البشري بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس والعرق والثقافة واللون سيبقى الاندماج المجتمعي ناقصاً والعدالة غائبة.
#رحاب_إبراهيم
#ابستمولوجيا
#مجلسالمرأةالسورية